الرئيسية

المهندس أنور وديعونحن في غياب ربنا يسوع المسيح هناك ليل... الليل الذي يُذكر لأول مرة في تكوين 5:1 و14-18 عندما فصل الله بين النور والظلمة. ثم بعد ذلك بعد الطوفان قال الرب لنوح: "مُدَّةَ كُلِّ أَيامِ الأَرْضِ... نهارٌ وليللا تزال" (تكوين 22:8). فها طابع الحياة على الأرض ليلاً ونهارًا، لكن هناك مع المسيح "ليل لا يكون".

ففي إنجيل يوحنا يُذكر الليل 7 مرات، حيث يحمل معنى الظلمة، والبعد عن الله، لكن سيدنا العظيم جاء كالنور الحقيقي الذي بدّد ظلمة الليل، وقاد النفس إلى النور الحقيقي حيث النهار الكامل.

أما سفر الأعمال، فيذكر الليل 15 مرة، منها 7 مرات ترتبط بالإنقاذ وتحرير النفس التي تؤمن.

ففي الليل تدلّى بولس في سل وأُنقذ من  دمشق (أعمال 25:9).

وفي الليل فتح ملاك الرب أبواب السجن وأنقذ بطرس من قبضة هيرودس الذي عزم على قتله. وفي الليل أنقذ ملاك الرب الرسل من السجن (أعمال 17:5).

وفي الليل أُنقذ بولس وسيلا وخلُص السجان في تلك الليلة (أعمال 31:16).

وفي الليل هاج الغوغاء فهرب بولس وسيلا إلى بيرية (أعمال 10:17).

وأخيرًا حادثة إنقاذ بولس والمسافرين معه في السفينة بعد 14 ليلة (أعمال 27).

وهذا ما سيحدث معنا عندما تنتهي ليالي العناء.

لكن في سفر الرؤيا يذكر الرسول يوحنا الليل 8 مرات، لكن ما أعظم المرتين الأخيرتين لنا نحن المؤمنين إذ ورد "وَأَبْوَابُهَا لَنْ تُغْلَقَ نَهَارًا، لأَنَّ لَيْلاً لاَ يَكُونُ هُنَاكَ" (رؤيا 25:21). "وَهُمْ سَيَنْظُرُونَ وَجْهَهُ، وَاسْمُهُ عَلَى جِبَاهِهِمْ. وَلاَ يَكُونُ لَيْلٌ هُنَاكَ" (رؤيا 4:22).

كما يذكر لنا الرسول 7 أشياء لن تكون هناك: البحر، والموت، والحزن، والصراخ، والوجع، والليل، واللعنة (رؤيا1:21 و4؛ 3:22 و5). فما أعظم عندما يأتي المسيح، في لحظة في طرفة عين، فنكون مع الرب في الهواء محاطين بملايين القديسين والملائكة ويذهب بنا الرب إلى بيت الآب، وهناك لا ليل، وتصبح هذه اللحظات آخر ليل نشاهده على الأرض إلى أبد الآبدين. ألا نشعر رغم صعوبات الظروف ببزوغ الفجر؟ ألا ترى معي أن الليل كاد ينتهي وكوكب الصبح المنير لاح، ومجيء الرب قد اقترب؟ وكم نتذكر عندما جمع الرب يسوع تلاميذه المضطربين في ليلته الأخيرة الحزينة القارصة البرودة، عندما كانت سحب الدينونة على وشك أن تنصبّ على رأسه القدوس، فإنه اخترق ظلمات الدينونة التي انفرد بها وحده، لكنه وعد تلاميذه أنه سيمضي من خلال الصليب إلى بيت أبيه ليعدّ لهم مكانًا، ولقد قرب الإيمان ليتحوّل إلى عيان. وأول مرة يذكر الإيمان أنه جاء "لما صارت الشمس إلى مغيب [ليل]" في (تكوين 12:15). ففي الليل تكون الحاجة ماسة للإيمان، لكنه أعدّ كل شيء. "وَإِنْ مَضَيْتُ وَأَعْدَدْتُ لَكُمْ مَكَانًا آتِي أَيْضًا وَآخُذُكُمْ إِلَيَّ" (يوحنا 3:14).

فها نحن في اللحظات الأخيرة، بل الثواني "إلى أن يفيح النهار وتنهزم الظلال"، ونكون مثل راعوث راقدين عند رجلي بوعز الحقيقي مضطجعين... لا اشتهار لنا بل نحيا كسيدنا باستتار وحبيبنا ليس أقل من بوعز الذي هو أعظم بما لا يقاس. إنه لن يهدأ حتى يتمم الأمر ويأتي سريعًا. ويختم على صفحات الوحي الأخيرة بالوعد بسرعة مجيئه ثلاث مرات (رؤيا 7:22 و12 و20). ولم يكن تكرارًا بل تأكيدًا متزايدًا معبّرًا عن شوقه للمجيء إلينا ولتثبيت الرجاء فينا، ولم يكن هذا أمرًا أو وعدًا جديدًا لكنه قبل صعوده قال لتلاميذه: "آتي أيضًا وآخذكم إليّ" (يوحنا 3:14). وهذا يوضح أشواق الرب للمجيء ليأخذ قديسيه معه ليكونوا كل حين معه، حتى نفرح جميعًا ولا أحد يستطيع أن ينزع فرحنا منا. ونحن نعلم أنه عندما قام الرب من بين الأموات لم يرتفع هتاف، لكن عندما يأتي الرب ليأخذ قديسيه على سحاب المجد يكتمل الفرح ويتم الهتاف "لأَنَّ الرَّبّ نَفْسَهُ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ وَبُوقِ اللهِ، سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَمْوَاتُ فِي الْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَوَّلاً" (1تسالونيكي 16:4). ويرتبط الحديث في كل مرة من المرات الثلاث لمجيئه إلينا بموضوع يريد أن يعلّمه لنا ويؤكده:

فالمرة الأولى: "ها أنا آتي سريعًا. طوبى لمن يحفظ أقوال نبوّة هذا الكتاب" (رؤيا 7:22). وهنا يرتبط سرعة مجيئه بالمسؤولية وتطويب من يحفظ أقواله – ليس الحفظ العقلي بل التطبيق العملي في الحياة لنعيش كما يحق للدعوة التي دُعينا إليها، وبهذا نزيّن تعليم مخلصنا الله في كل شيء (تيطس 10:2).

والمرة الثانية: "وها أنا آتي سريعًا وأجرتي معي لأجازي كل واحد كما يكون عمله" (ع 12). وهنا نرى تأكيد الله للوعد بالقول "وها" حيث غرض مجيئه مرتبط بالمجازاة وإعطاء الأجرة والمكافأة لكل من عمل وتعب في خدمة الرب لأن تعبنا ليس باطلاً في الرب (1كورنثوس 58:15).

والمرة الثالثة: نرى توكيدًا أكثر لهذا الوعد "يقول الشاهد بهذا: نعم! أنا آتي سريعًا. آمين. تعال أيها الرب يسوع" (ع 20). نجد هنا ارتباط مجيئه بالأشواق، فهو يخاطب أشواق المؤمنين حيث "نئن مشتاقين" (2كورنثوس 2:5)، حتى تُضرم أشواق العروس لتقول مع الروح القدس: "آمين. تعال أيها الرب يسوع". ليتنا نعيش حياة الانتظار بملء الشوق لسرعة مجيئه "انظروا كيف تسلكون بالتدقيق لا كجهلاء بل كحكماء مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة" (أفسس 15:5).

فليكن الرب ملء العيون، فلا نرى غيره، وملء الآذان فلا نسمع إلا صوته، وملء القلوب فلا يملك علينا غيره، وملء العواطف فلا نتعلّق بسواه. وها الرب يناجينا "نعم! أنا آتي سريعًا"، فلنجاوبه "آمين! تعال أيها الرب يسوع". ولكن الرب قبل أن يختم أقواله يوجه النداء الأخير لكل خاطئ مستهتر: "من يعطش فليأتِ، ومن يرد فليأخذ ماء حياة مجانًا". وهكذا يربط مجيئه بمصير الأشرار حيث سينتهي زمان النعمة ويُغلق الباب أمام كل من لم يؤمن، مع أنه لا يُسرّ بموت الشرير (حزقيال 23:18).

فليت كل من يسمع يلبي النداء قبل فوات الأوان ليرتمي في أحضان المخلص، الذي له كل المجد.